بين "فتح" والمجموعات المتطرفة... منعطف غير قابل للاحتواء
15-09-2023 10:41 AM GMT+03:00
كتب أحمد الايوبي في نداء الوطن:
دخلت الاشتباكات في مخيّم عين الحلوة بين المجموعات المتطرّفة وبين حركة «فتح» منعطفاً أصبح غير قابل للاحتواء، وانجلت حقيقة سلوك الفصائل المنضوية تحت عباءة «هيئة العمل الفلسطيني المشترك» عن خلاصةٍ مفادها أنّ أغلب أعضاء هذه الهيئة يستغلّون وجود هذه المجموعات لاستنزاف «فتح» وعزلها بعدما تحوّل هذا الإطار الجامع إلى وسيلة لحماية المتطرّفين من خلال الامتناع عن مساندة «فتح» في مواجهة التحدّي الذي يمثّله السلوك الأمني المتراكم لهؤلاء والاكتفاء بإصدار البيانات المؤيّدة لتسليم المطلوبين في جريمة اغتيال اللواء أبو أشرف العرموشي، من دون أيّ مساندة حقيقية لهذا المطلب، مقابل تمتّع المتطرّفين بدعم نوعي بالسلاح والعتاد لم يعد خافياً على أحد.
يتساءل أهل صيدا ومخيّم عين الحلوة: هل صحيح أنّ كلّ هذه الفصائل التي تعلن أنّها مع تسليم المطلوبين في جريمتي قتل اللواء العرموشي وعبد الرحمن فرهود عاجزة عن إجبار المتطرّفين على تسليمهم وتحمّل نتائج رفضهم القيام بهذه الخطوة؟ خاصة أنّه أصبح مؤكداً أنّهم لن يسلِّموا أحداً، لا بل يزدادون تصلّباً وعجرفة نتيجة التغطية غير المباشرة لـ»العجز» الفصائلي عن فرض الإرادة الجامعة على هذه المجموعات التي تحصل أيضاً على دعم لمسه أهالي صيدا من «السرايا اللبنانية» في تعمير عين الحلوة، حيث كانت تلك السرايا تقوم بأعمال «الإغاثة» وتقدِّم الطعام وغيره للمجموعات المتطرّفة.
المسكوت عنه في هذا الملف هو ما يعبِّر عنه البعض من النوّاب والقياديين بالسؤال عن مصدر الإمداد والتسليح المتصاعد للمجموعات المتطرّفة، وهذا ما انكشف لدى أهالي صيدا ومنهم ابن المدينة الزميل حسان قطب مدير المركز اللبناني للدراسات الذي كتب قائلاً إنّه «منذ فترة «وحزب الله» يقوم بتركيز نشاطه في محيط المخيّم أي في منطقة تعمير عين الحلوة، تمويناً وخدمات وتجنيداً تحت مسمّى سرايا المقاومة، واسمها الجديد المبتكر هو السرايا اللبنانية... كما أن «حزب الله» يقيم علاقات وثيقة، مع المجموعات الإسلامية الأساسية، في مخيّم عين الحلوة وينسّق معها علناً وسراً... على الرغم من أنّ إعلامه يتّهم الإسلاميين بالمتطرّفين والمتشدّدين إلّا المجموعات التي تتعاون معه، حيث يتمّ العفو عنها وتجنيبها هذا الاتهام».
حربٌ إعلامية بين «فتح» والحركات الإسلامية
في هذه الأجواء، وبخلاف الموقف الرسمي، كان جمهور الحركات الإسلامية يشنّ حرباً شعواء على حركة «فتح» ملقياً عليها كلّ أنواع التخوين، وأبرز خصومها خروقاتها وما يرونه توجّهات علمانية، بينما ركّز إعلام «فتح» على أنّها حركة تلزم الثوابت الدينية انطلاقاً من رؤية وطنية جامعة وأنّها تخوض المواجهة مع مجموعات تكفيرية إرهابية. وقد عكس هذا الجوّ مستوى الاحتقان السائد بين الطرفين.
اللافت للانتباه أنّ الاجتماعات الرسمية للفصائل الفلسطينية سواء في إطار هيئة العمل المشترك أم مع المسؤولين في الدولة اللبنانية بقيت محافِظة على أدبيات ومسار الاحترام المتبادل وتبنّي مطلب التسليم للمطلوبين واعتبار أعضاء المجموعات المتطرّفة حالة شاذة وغير مقبولة، لكنّ الدفع المطلوب لتطبيق عملية التسليم كان دائماً مفقوداً، ما أتاح لهذه المجموعات تعزيز قواها ورفع مستوى التحدّي في وجه فتح المحكومة بالكثير من القيود التي تعيق حركتها الميدانية.
لماذا غيّرت «حماس» موقفها؟
لكنّ تحوّلاً مفاجِئاً حصل في موقف حركة «حماس» تولّى تظهيره عضو مكتبها السياسي موسى أبو مرزوق بعد اجتماعه مع قيادة حركة «فتح» يوم 13-9-2023 حين غرّد على منصة «X» قائلاً: «ما يجري في مخيّم عين الحلوة الآن هو تدمير للمخيّم تحت عنوان محاربة الإرهاب، ولكن من دون نتائج حقيقية تُذكر، وحاولنا جاهدين مساعدة من هو في مأزق ولكنّ التعهدات التي قُطعت لنا بلا معنى».
شكّل موقف أبو مرزوق تراجعاً واضحاً عن الموقف المتوازن شكلاً لـ»حماس» وانحيازاً لصالح المجموعات المتطرّفة، واعتبرت مصادر في «فتح» أنّ الإشكال كان قد بدأ قبل ذلك من خلال تبنّي «حماس» التفاوض باسم هؤلاء والنتيجة أنّ أفق المواجهات أصبح مفتوحاً ولا يُعرف متى يمكن أن ينتهي. دائماً ما تواجه الحركات الإسلامية هذه الإشكالية فتقف أمامها موقف العاجز الصامت أو المنتظر المتواطئ أو المتردِّد المربك، ولطالما سمعنا من قال ذات يوم عن المسلحين في الضنيّة إنّهم «إخواننا» وكذلك عن مسلّحي تنظيم «فتح الإسلام» الإرهابي، بل اغترّ البعض فاعتبرهم «قوّة لأهل السنة»، وهذا وهم كبير سقط في انقلاب «حزب الله» في 7 أيار 2008 عندما تفرّج هؤلاء على «الحزب» من دون أن يحرِّكوا ساكناً... وانزلق الكثيرون إلى صفوف تنظيمي «القاعدة» و»داعش» لدواعٍ مختلفة، وتأخّر كثيراً موقفُ الحركات الإسلامية من هذين التنظيمين، واقتصرت المواقف على بعض البيانات وبعض الفتاوى من دون أيّ جهد لإنزالها إلى الشارع ومواجهة موجات انجذاب الشباب إلى «القاعدة» و»داعش» وفروعهما وانشقاقاتهما المختلفة. اليوم يصف بعض الإعلام المسلّحين المتطرفين في مخيّم عين الحلوة بأنّهم «مجموعات إسلامية» في مصطلح يساوي بينهم وبين الحركات الأخرى مثل «حماس» و»الجماعة الإسلامية» وغيرهما، وهذا مصطلح مضلِّل، لأنّ هؤلاء المسلّحين يحملون فكراً متطرّفاً جعلهم يمارسون شتى أنواع العنف والإرهاب، ولا تصِحُّ ولا تجوز نسبة تجمعهم وممارساتهم إلى الإسلام، لذلك فإنّ الأمانة الدينية والموضوعية تقتضي بوصفهم كما هم على حقيقتهم بلا لفٍّ ولا دوران.
ليسوا إسلاميين بالمعنى الاصطلاحي السائد المعرِّف عن الحركات الإسلامية الدائرة في فلك الإخوان المسلمين... وليسوا «إخواننا» بالمعنى السياسي العام لأنّ أغلبهم ينتمون إلى منظومة فكرية عقائدية تكفِّر الجميع، بمن فيهم من يمنحهم اليوم غطاءه المباشر أو غير المباشر، لهذا، فإنّ موقف حركة «حماس» و»الجهاد» و»عصبة الأنصار» و»الحركة الإسلامية المجاهدة» وغيرها من الفصائل ينبغي أن يكون واضحاً وحاسماً ولا يقبل المسايرة. وتتحمّل هذه القوى، وكلّ من يتغنّى بالانتماء إلى العمل الإسلامي مسؤولية إنهاء حالة الصمت السلبي أو المراهنة على إنهاك «فتح»، لأنّها تمثل الشرعية، وإذا ما حصل أن كُسِرت فإنّ هذه الحركات لا تملك الشرعية الكافية للتمثيل الفلسطيني في لبنان كما أنّها لن تستطيع الحلول محلّها وسيتضخّم هؤلاء المتطرّفون ليأكلوهم جميعاً، وهذا هو السيناريو الأشدّ سوءاً. مطلوب من «هيئة علماء المسلمين في لبنان» و»هيئة علماء فلسطين» و»الجماعة الإسلامية» وكل من يعنيه الأمر في الساحة الإسلامية أن يعلنوا البراءة من أفعال هذه المجموعات المنفلتة التي لا تخدم سوى من يريد استهداف الوجود السنّي في لبنان، وأن يعودوا إلى لغة الشرعية الفلسطينية فكلّ انقلاب عليها سينعكس على السنة في لبنان عاجلاً أو آجلاً.