لم تحظ الذكرى الـ12 للانتفاضة السورية، التي صادفت الخميس الماضي، بكثير من الاهتمام الإقليمي والعالمي، عدا عن صدور بيان من أربع دول كبرى وجهت من خلاله نداء مشتركا لمحاسبة نظام الرئيس السوري بشار الأسد على الفظائع التي ارتكبها ضد شعبه خلال سنوات النزاع.

وشددت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا على أنها لن تطبّع العلاقات مع حكومة الأسد ولن تمول إعادة الإعمار في البلاد "إلى أن يتم إحراز تقدم حقيقي ومستدام نحو حل سياسي".
وجاء في البيان "نواصل التزامنا دعم المجتمع المدني السوري وإنهاء انتهاكات حقوق الإنسان والانتهاكات التي عانى منها الشعب السوري - من نظام الأسد وغيره - قبل وقوع الزلازل بفترة طويلة".
وتابعت الدول الأربع في بيانها "يجب على المجتمع الدولي العمل معا لمحاسبة نظام الأسد وجميع مرتكبي الانتهاكات والفظائع".
وأضاف البيان "أوجد النزاع المستمر بيئة ملائمة" لأنشطة الإرهابيين ومهربي المخدرات، ما "يفاقم المخاطر التي تتهدد الاستقرار الإقليمي".
وتشهد سوريا نزاعا داميا منذ 2011 تسبب بمقتل حوالى نصف مليون شخص وألحق دمارا هائلا بالبنى التحتية وأدى إلى تهجير ملايين السكان داخل البلاد وخارجها.
وجاء الزلزال الذي ضرب في السادس من فبراير تركيا وسوريا ليفاقم المأساة إذ أودى بحياة عشرة آلاف شخص في الأراضي السورية.
ومنذ وقوع الزلزال المدمر، تلقى الأسد سيل اتصالات ومساعدات من قادة دول عربية، في تضامن قد يجد فيه "فرصة" لتسريع عملية تطبيع علاقاته مع محيطه الإقليمي.
وسارع قادة وملوك دول عربية عدة إلى التواصل مع الأسد وإبداء تضامنهم مع محنة الشعب السوري الذي أنهكته سنوات الحرب الطويلة، قبل أن تحط طائرات المساعدات تباعا في مطارات دمشق وحلب واللاذقية.
وقبل ذلك ظهرت العديد من الأصوات في المحيط العربي تنادي من أجل إعادة سوريا ضمن المجتمع العربي، وإعادة العلاقات مع دمشق، على الرغم من الفظائع التي ارتكبها النظام ضد شعبه.
فهل ينجح المجتمع الدولي في محاسبة الأسد ونظامه على الجرائم والفظائع التي ارتكبت منذ 2012؟ وما الخطوات التي ممكن أن تعمل عليها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا لمحاسبته؟ 
يقول المعارض السوري محمد العبدالله إن "محاسبة نظام الأسد والأشخاص الذين اقترفوا جرائم بحق الشعب السوري أمر مهم وأساسي لضمان الحقوق والحريات للضحايا".
ويضيف العبدالله في حديث لموقع "الحرة" أنه و"للأسف الخطوات التي ينتهجها المجتمع الدولي بشكل عام والحكومات الأربع التي أصدرت البيان غير مشجعة"، واصفا البيان بأنه "بروتوكولي وإنشائي يصدر فقط بمناسبة انطلاق الاحتجاجات في سوريا".
يتحدث العبدالله عن وجود "تغاض دولي للخطوات تقوم بها دول إقليمية مثل تركيا والخليج للتطبيع مع النظام".
ويتابع: "على الرغم من أنهم يتحدثون في الإعلام عن رفضهم للتطبيع، ولكن على الأرض لا توجد إجراءات تضغط على الدول لثنيها عن المضي قدما باتجاه إقامة علاقات مع النظام".
ويرى العبد الله أن "محاسبة النظام على جرائمه يقتضي تعزيز الجهود الدبلوماسية للدول التي أصدرت البيان من أجل إبقاء النظام معزولا على أمل أن تؤدي خطوات لاحقة في المستقبل لإجراءات مجدية في مجال تحقيق العدالة".
بالمقابل يرى المبعوث الأميركي السابق لسوريا جيمس جيفري أن واشنطن لا تمتلك السلطة لمنع أي دولة من إقامة علاقات مع نظام الرئيس السوري.
يقول جيفري لموقع "الحرة" إن "الولايات المتحدة لا تستطيع منع الآخرين من استعادة العلاقات مع الأسد، لكن كبار القادة العرب يؤكدون أنهم لن يتخذوا خطوات تجاه دمشق في حال لم يعالج النظام مجموعة من المخاوف العربية والدولية".
من أبرز هذه المخاوف وفقا لجيفري "تلك المتعلقة بحل أزمة اللاجئين والنازحين، والتصالح مع المناطق غير الخاضعة لسيطرته، وإخراج الأسلحة الاستراتيجية الإيرانية من البلاد".
ويضيف جيفري: "كذلك يجب على الأسد التنسيق بشكل أفضل بشأن محاربة تنظيم داعش، والمساءلة عن جرائم حقوق الإنسان واستخدام الأسلحة الكيماوية".
يؤكد جيفري أن "هذه النقاط تتطابق تماما مع مطالب الولايات المتحدة"، مبينا أن الصراع في سوريا لا يزال مجمدا والأسد لا يزال معزولا ومعاقبا لحين التنازل وتنفيذ تلك المطالب".
في يناير من هذا العام، أكدت واشنطن على موقفها المعارض لأي خطوة تطبيعية مع نظام الأسد.  وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس إن الأسد، "ارتكب أعمالا وحشية، وقواته ارتكبت جرائم حرب، وسنواصل العمل على محاسبة النظام، وتشجيع شركائنا وحلفائنا على عدم التطبيع معه وعلى تطبيق القرار ٢٢٥٤".
وأضاف: "أوضحنا أننا لن نطبع ولا نؤيد أية دولة تقوم بالتطبيع مع نظام الأسد".
ومع ذلك ينتقد العبدالله الولايات المتحدة لإنها "حتى اليوم لم تعين مبعوثا خاصا للملف السوري.. كان هناك مبعوث في زمن الرئيس باراك أوباما ولاحقا تم تخفيض دوره وأصبح مبعوث تابع للخارجية خلال ولاية ترامب واليوم أصلا لا يوجد أي مبعوث".
ويتابع العبد الله حديثه بالقول إن "الملف السوري يدار حاليا من قبل قسم تابع لوزارة الخارجية الأميركية، وهذا دليل على أنه لا يمثل أولوية لدى الإدارة الأميركية".
أما باقي الدول الغربية، فيرى العبد الله أنها "غير مهتمة بشكل مباشر أو واضح في المفاوضات السياسية التي تقودها الأمم المتحدة"، مبينا أنه "ليس هناك توازن في القوى على اعتبار أن الإيرانيين والروس والأتراك دورهم أكبر ومهتمون أكثر بهذا الملف مقارنة بدول الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة".
ويعتقد العبدالله أن "الولايات المتحدة فرضت عقوبات على نظام الأسد، يمكن أن تتسبب في إنهاكه اقتصاديا ولها آثار غير مقصودة على الشعب، ولكنها لن تؤدي لإسقاط النظام أو محاسبته".
ويصف العبد الله العقوبات بأنها ربما تكون "أداة لردع بعض المهرولين لإقامة علاقات اقتصادية معه، لكنها مع ذلك لن تغير الكثير على الأرض"، داعيا "العواصم الأربع التي أصدرت البيان لتبني سياسة واضحة تجاه الملف السوري ودعم العملية السياسية وتعزيزها".
ويؤكد العبد الله أن "هناك عودة أو محاولات لاستعادة التمثيل الدبلوماسي لبعض الدول العربية في سوريا"، لافتا إلى أن "الزلزال كان مناسبة استغلها الأسد لتحسين علاقاته مع الدول العربية".
ويرى أنه في "حال نجح النظام بالعودة للجامعة العربية فربما يعني ذلك أنه سيعود للمجتمع الدولي بطريقة أو بأخرى".
على الجانب الآخر يرى المحلل السياسي الإماراتي علي الشعيبي أن "هناك مجموعة متغيرات تمر بها المنطقة والعالم أثرت على الملف السوري، وسرعت من مسألة تعامل الدول العربية والإقليمية مع دمشق".
ويشير الشعيبي في حديثه لموقع "الحرة" إلى وجود "وتيرة متسارعة لإعادة سوريا للصف العربي" مستدركا بالقول "لكننا هنا نتحدث عن سوريا الوطن والشعب، بعيدا عن النظام السياسي الحاكم".
ويضيف الشعيبي أن "معظم الدول العربية تعتقد أن الشعب السوري لا يستحق المعاناة التي مر بها، وبالتالي بات من الضروري إعادته للصف العربي وإغلاق الكثير من الملفات العالقة والشائكة في هذا الصراع".
ويعتقد الشعبي أن الدول العربية تريد من خلال تحركاتها "إنقاذ سوريا ومنعها من التدهور أكثر مما قد يؤدي لسقوط المزيد من الضحايا وتحويلها الى بؤرة صراع مستمرة".
ويشير الشعيبي إلى أن "عقلاء المنطقة والعالم يجب أن يعملوا بشكل جدي من أجل إنهاء الصراع السوري- السوري وأن تأثيره على باقي دول المنطقة يجب أن ينتهي بشكل أو بآخر لمنع سقوط المزيد من الضحايا".
ويشدد الشعيبي على أهمية "الفصل بين النظام والشعب.. فالنظام يتحمل وز الكثير من الجرائم التي ارتكبت، ولكن إطالة أمد الصراع ربما يؤدي لمأساة أكبر".
ويرى الشعيبي أن "الدبلوماسية العربية والإقليمية والدولية يمكن أن تلعب دورا أساسيا في إغلاق هذا الملف".


المصدر :